الخميس، 7 يونيو 2012

«الزمقري» لدالي النهدي: التوانسة تــحـت الـمجهر


أمام جمع من الصحفيين والأصدقاء وبحضور الأم سعاد محاسن والأب لمين النهدي ـ وهو في الوقت نفسه مخرج العمل ـ، قدّم محمد علي النهدي يوم السبت الفارط بقاعة الفن الرابع العرض الأول لوان مان شو «الزمقري» الذي يروي بكاريكاتورية فائقة عودة أحد المهاجرين إلى أرض الوطن بعد الثورة.. فما الذي تغيّر فينا؟ وهل تحسنت وضعية مهمشينا أم بقيت على حالها، هل تغير الواقع الثقافي أم ظلّ أسير نفس الكوابل؟ هل تحررنا بالفعل أم أصبحنا نرزح تحت سلط وموانع جديدة؟
وبإعتماد نقد رقيق، يستعرض دالي النهدي جوانب من الشخصية التونسية، انطلاقا من طريقة تعامل أعوان المطار مع السياح الوافدين على تونس، مرورا بخصوصيات الباعة المتجولين، ووصولا إلى البورجوازيات اللاتي وجهن تبرعاتهنّ الى رأس جدير.. 
ولعلّ الميزة الأولى لهذا العمل الفني هي طريقة أداء محمد علي النهدي حيث اعتمد فن «الميميك» اي التعبير بواسطة الجسد وتقاسيم الوجه لتبليغ أكثر ما يمكن من المفاهيم التي تتضمنها المسرحية، فتراه تارة يقلد ـ موغلا في التضخيم ـ أحد أعوان الأمن وطورا أحد البرجوازيين وفينة أخرى بائعا متجولا أو مزطولا، وهكذا ينشأ تفاعل فوري مع هذا «الأنا» القريب منا والبعيد في نفس الوقت..
وعبر التفاصيل الصغيرة التي وضعها تحت المجهر، نحت محمد علي النهدي «شخوصا» مميزة من واقعنا ليهديها إيانا في قالب فني «مهوّل» يكشف المستور من الحقائق ويصدع بما يحلم به البعض منا دون أن يجرؤ على قوله. وبتعاطف كبير مع المهمشين والمعذبين في الأرض، يكشف النهدي ، حجم الامبالاة والإهمال الذي تعيشه فئات من مجتمعنا وتردي الوضع الثقافي و«عصبية» الشخصية التونسية وسخائها كذلك، مبرزا الهوّة السحيقة التي تفصل «عالم الأثرياء» عن «عالم المهمشين» بما يجعل التواصل أمرا يكاد يكون مستحيلا..
ومن المشاهد التي شدّتنا في «الزمقري»، لوحة «إفريقية» التقى فيها البطل بأحد المهاجرين الأفارقة برأس جدير فتمتزج الموسيقى بالأضواء وبالتعبير الجسدي لتشكل مشهدا مسرحيا صادقا ينتشي فيه المشاهد بجمالية العطاء الفني.
ومن اللوحات المضحكة ـ وهي عديدة ـ ما جاء على لسان أحد المعارضين حيث قال: «لو كنا نحن الفائزين في الانتخابات عوضا عن النهضة لتمت تسمية رشدي علوان وزيرا للداخلية ولطفي البحري وزيرا للثقافة ولكانت الأوضاع «أزهى» بكثير مما هي عليه الآن». أضف اليها ما جاء في لوحة «البرجوازيات» حيث أرادت إحداهن التبرع بصندوق من المثلجات للاجئ مخيم الشوشة الى غيرها من المشاهد التي لا تخلو من الطرافة والخفة.
ولئن توفق محمد علي النهدي في وخزعدّة «شخصيات» من مجتمعنا بالإبر الصينية في صميم تفاصيلها، فقد كان بإمكانه أن يخصص حيّزا أكبر لشخصية «الزمقري» ولتعاليقه، فنظرته لمجتمعنا تختلف حتما عن نظرتنا نحن للأحداث التي تعيشها البلاد.
وللأمانة، نعترف أن محمد علي النهدي بهرنا في هذه المسرحية  لما اعتمد من مهارة وموهبة في تطويع جسده خدمة لطرح مسرحي كشف العديد من عاهاتنا ومن خصوصياتنا نحن التونسيون بأسلوب فكاهي.
  شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق