الثلاثاء، 26 يونيو 2012

"زنقة النساء" : ضمار تونسي بإمضاء سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش

عندما تنهمر دموع الحاضرين تفاعلا مع عرض فني, فاعلم أن الفنان نجح في دغدغة أحاسيس المتفرج وذلك مهما كان العمل تراجيديا أو بالعكس كوميديا.. هذا هو الانطباع الذي خرجنا به من مشاهدتنا لمسرحية "زنقة النساء" التي شارك فيها كل من سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش وهي من النوع الكوميدي الخفيف...

وقد شدنا بالخصوص صدق أداء الثالوث المذكور وحضوره الركحي المميز فضلا عن النص الفكاهي وما تضمنه من مباشرتية في القول والمواقف, فانسابت المسرحية إنسياب الرمل بين ثنايا الكف.. لقد كان الوقت قصيرا جدا مع  البطلات الثلاث, فلكل منهن قصتها مع الحياة ومع الرجال بالتحديد, فبية قسطلي باش بواب (سوسن معالج) قررت بعد طلاقها من زوجها البورجوازي الثري ان تتقاسم بيتها مع نساء قد يساعدنها على مواجهة هموم الحياة ففتحت أبوابه  لسوسو بوسطانجي (نادية بوستة) وهي إمرأة مدللة عبثت بها الحياة فعجزت عن ايجاد التوازن النفسي المطلوب, وأما الضيفة الثالثة فهي خيرة فطحلي (تقمص الدور الممثل محمد الداهش) وهي نموذج للمرأة البسيطة التي ذاقت شظف العيش وقد قدمت نفسها ك"ضحية من ضحايا العولمة"...
 

ولئن غابت القواسم المشتركة بين النساء الثلاث بحكم إنتمائهن لطبقات اجتماعية مختلفة, فإن الحوار بينهن لم ينعدم ليستدرجنا النص في صميم الفروقات والمفارقات التي تفصلهن, فما هو طبيعي في عيون بية باش بواب غريب لدى خيرة فطحلي, وما هو يبدو عاديا في نظر سوسو بوسطانجي انما هو صادم بالنسبة للأخريين.. ويكشف النص -الذي تونسه الثالوث المشارك في المسرحية انطلاقا من نص أصلي فرنسي- حاجة هؤلاء النسوة الى التواصل, حاجتهن الى الحب والحياة..
 

وهكذا تتوالى فصول المسرحية معتمدة  نصا كوميديا طريفا إستوقفنا عند نماذج نسائية لم يمنعهن طلاقهن أو وحدتهن من التفاعل مع اللآخرين, فالحياة ليست "زنقة" ضيقة او دون منفذ  تختنق فيها الأرواح بل هي شارع فسيح تعاد فيه صياغة الحلم والأمل... وإن كان هناك ما ينتقد في هذا العمل, فهو العنوان الذي بدا لنا غير متجانس مع مضمون المسرحية بما فيه من خفة روح ونقد اجتماعي و"ضمار" تونسي...
 

ويمكن القول إن سوسن معالج ونادية بوستة ومحمد الداهش برهنوا من خلال هذا العمل -الذي تكفلت بإنتاجه شركة "ياليل برود"- على قدرتهم على تقديم عمل كوميدي خفيف ومتكامل  نصا وأداء بما يدعونا لحثهم على المثابرة من أجل أعمال لا تستبله المشاهدين بل تمتعهم وقد تثير فيهم الرغبة في التساؤل والتفكير.. ولعل المشهد النهائي الذي تقرر فيه خيرة فطحلي ارجاء موعدها التشغيلي وقطع مكالمتها مع الرئيس الدكتور لتبقى مع صديقتيها ملئ بالمغزى, فلا شئ أجمل وأصدق من أوقات حميمية تنتفي منها الحسابات الضيقة والهرولة وراء المصالح الشخصية...

شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق