الاثنين، 4 يونيو 2012

«ضوء الماء» لسميرة القلي: سحر الكلمات وشفافية الأحاسيس

"أكتب حتى أتنفس، كالزفير، كالتنهد، كالبكاء".. بهذه الكلمات الرقيقة عبرت الكاتبة سميرة القلي عن حاجتها الحيوية للكتابة، فهي «متنفسها» وهي «اللحن الشافي» و«مدرسة الحرية» و«قطرة الماء الحُلوى وسط المحيط»... وقد جاءت هذه التعبيرات الجميلة والمرهفة في مجموعة شعرية صدرت مؤخرا تحت عنوان «ضوء الماء»..

وعلى امتداد أربعين نصا شعريا، تبحث سميرة القلي أو بالأحرى تحاول استعادة إنسانية مفقودة بفعل أشواك الحياة وغيمات الزمن، فتقتفي أثر حرية الأكسجين وهدوء الماء ورحابة الضوء لتنعتق من الأسوار العالية التي تحاصرها...

وفي تماه شديد مع عناصر الطبيعة، تبحث الكاتبة عن نفسها في «دوامة الحياة» وبين «الأوراق الجافة» وفي «أعشاش الدبابير» وبين «طيات المد والجزر» لتهزج أنشودة الحياة والأمل بعيدا عن «الزخرف الزائل» و«البقايا الدنيئة».. إذ تقول في نص «الجزيرة»:
فكرة في مهب الريح
تراودني
لماذا لم أكن أشد جنونا
حتى أذهب للعيش مع أبنائي
في جزيرة تشبه الفردوس
جزيرة دون حيوانات متوحشة متمدنة
سأعصتم بهذا المستحيل
حتى أعيش فيها
مع الأحلام وحولي الورود والملائكة..
وبسلاسة شعرية فائقة، تروي الكاتبة صراعها السرمدي من أجل التخلص من «مخالب النسور» و«رداءة الضفادع» بحثا عن ميعاد تمتزج فيه الألوان الزرقاء الشفافة والبحر المتلألئ والأضواء الناصعة التي تساعد على «تجاور الذات» وتحث على «انبعاث جديد في نقاء العري المطلق».
وهي التيمة التي لمسناها كذلك في قصيد «ضوء الماء» الذي دعت فيه سميرة القلي إلى إحياء الحلم والأمل وإن كان ذلك من العدم، إذ تقول:
ماذا لو صنعنا
 من سلاسلنا أساور عزيمة
من حبالنا أرجوحة تسابق الفضاء
من أقواس القزح مدارس للحريّة تتوّج الأفق
من الفراغ معطفا وسجادا
من الأمواج مقذفا
من أمنياتنا تسبيحا في ضياء الورد والزرقة
وقد تراوحت أشعار سميرة القلي بين اللغتين العربية والفرنسية، ومن بين ما شدّنا من عذب كلماتها، تلك التي احتمت فيها بأزرق البحر الذي يخترق الأفق في محاولة لنسيان الاضطهاد:
Avec un peu
D'eau douce
Pour toute fortune
Se laisser porter
Par une brise légère
Plante aquatique
Femme poisson
Abdiquer le rouge
Oublier l'oppression
Pourfendre les vagues
Nager vers l'autre rive
Se réfugier 

Dans le bleu
Anonyme
S'absoudre
Dans les flots
Transcender l'azur
بمفردات رقراقة وأحاسيس شفافة، أزاحت سميرة القلي في مجموعتها الشعرية «ضوء الماء» الستار عن الضعف والعجز والألم العميق الكامنة في ذواتنا لتتحداها في محاولة لتجاوز الذات وذلك عبر ملاذ الكلمات وبساتين الطبيعة الغناء، فمنها تستمد القدرة على الصمود والبقاء, وفي هذا إقرار بقدرة البشر، على قدح أشعة الأمل وبعث مرافئ الحلم رغم خطر الهاوية وعتمة المجهول

 شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق