اعتداء خطير جدا ذلك الذي تعرّض له رئيس شبكة دستورنا جوهر بن مبارك في
قبلي يوم السبت 21 أفريل.. فقد كشف بن مبارك خلال ندوة انتظمت يوم الاثنين
الفارط بحضور جمع من رجال السياسة والحقوقيين والناشطين صلب المجتمع
المدني، كيف تهجمت مجموعة من الشبان الملتحين والمسلحين بالهراوات والقضبان
الحديدية عليه وعلى الحاضرين وذلك خلال اللقاء الذي انتظم حول موضوع
الدستور والتنمية الجهوية.. ولولا شجاعة بعض شبان سوق الأحد وأعضاء من شبكة
دستورنا لحدثت الكارثة.. وذكر بن مبارك كيف شدّ نفر من المعتدين وثاقه
وصاح أحدهم «أين السكين؟» ملاحظا أنّه تمّ تحريض هؤلاء الأفراد وتجييشهم من
أجل الاعتداء عليه خاصة أنّ اعمارهم لا تتجاوز 18سنة..
وبعد هذه
الشهادة الكابوسية، تناول عدد من النشطاء الكلمة ليعربوا عن تضامنهم مع
شبكة دستورنا وعن تنديدهم بالعنف المستعمل محملين الحكومة مسؤولية ما حدث..
الحكومة والنهضة تتحملان مسؤولية العنف
وفي هذا السياق حمّل النائب خميس قسيلة الحكومة وحركة النهضة مسؤولية هذا
العنف متسائلا كيف للحكومة أن تتحدث عن مؤامرة لإسقاطها وتبدي في المقابل
ضعفا مع من يستعملون العنف ضدّ نشطاء المجتمع المدني على غرار بن مبارك
والمحامي أحمد الصديق وغيرهما... ولاحظ قسيلة أنّ للحكومة مسؤولية كبرى
لأنّها بصمتها تدفع إلى التصادم والانقسام وطلب من المجتمع المدني والسياسي
التحرك بقوة لوضع حدّ لهذه التجاوزات.. وفي هذا الصدد نادت النائبة سلمى
بكار بضرورة تكوين جبهة هدفها حماية الناشطين والفنانين حتى يتمكنوا من
التعبير عن آرائهم بحريّة.
نحن بحاجة إلى جبهة موحدة للدفاع عن الحقوق والحريات
وتواصلا مع هذا الاتجاه، أكّد النائب نجيب الشابي على أهمية تكوين جبهة
موحدة للدفاع عن الحريات والحقوق داعيا الجماهير الى أن يكونوا يدا واحدة
في مسيرة اتحاد الشغل المرتقبة ليوم 1 ماي.
أمّا رئيس الحزب الاشتراكي
اليساري محمد الكيلاني فقد اتهم حركة النهضة بالانحراف بالمسار
الديمقراطي عن نهجه الحقيقي وتوجه إلى الديمقراطيين قائلا: «أحنا
الديمقراطيين ما نترباوش» مطالبا إيّاهم بتوحيد صفوفهم لا فقط من أجل
الاستحقاق الانتخابي القادم بل كذلك من أجل ارجاع المسار إلى سكته.. واعتبر
الكيلاني أنّ القضية قضية حياة أو موت، فالقوى الرجعية ترى في الرأي
والفكر خطيئة يجب القضاء عليها ومن هذا المنطلق وجب التصدي لكل المحاولات
التي تستهدف الفكر الحر..
النظام أخذ اتجاها فاشيا
ورغم خلافهما
الشهير، التقى العميد الصادق بلعيد وأستاذ القانون عياض بن عاشور في تحميل
الدولة مسؤولية ما يجري من تجاوزات.. فقد ذكر بلعيد أنّ النظام أخذ اتجاها
«فاشستي» بحمايته لنفسه وبإطلاق الميليشيات على المعارضين... وحذّر أستاذ
القانون من خطورة الانزلاق إلى منحدرات التعصب والعنف وطالب بتوحيد
التيارات السياسية حتى تكون جبهة منيعة تتصدى لأخطبوط العنف والإقصاء..
وأمّا عياض بن عاشور فقد اعتبر أنّ المشكل ليس مع المتطرفين بل مع الدولة
التي إذا أحجمت عن دورها في مواجهة المعتدين وفي أداء وظيفتها فإنّها بذلك
تنحاز وتشجع جهة دون أخرى. وتطرّق بن عاشور الى مسؤولية رجال القانون
قائلا إنّه في حالة تمادي صمت الحكومة على الاعتداءات فإنّه سيطالبهم بقطع
كل صلة مع المجلس التأسيسي ودعاهم إلى أن يكونوا حذرين من أي انزلاق باتجاه
ديكتاتورية جديدة.
لقد تم تجاوز الخطوط الحمراء أكثر من مرة
وتحت عاصفة من التصفيق، ذكرت آمنة منيف رئيس جمعية
«كلنا تونس» أنّه تمّ تجاوز الخطوط الحمراء في أكثر من مرّة وتساءلت إلى
متى يتواصل صمت ديمقراطيي الترويكا في إشارة إلى حزبي التكتل والمؤتمر على
ذلك قائلة إنّه لا بد من تصحيح المسار فرجال ونساؤها حطّموا حاجز الخوف ولن
يصمتوا على هذه الاعتداءات.
ومن جهتها تحدثت سهام بن سدرين رئيسة
المجلس الوطني للحريات عمّا اعتبرته مشروعا لفرض الفاشية، فما حدث لجوهر بن
مبارك وليوسف الصديق ـ حســب قولهـــا ـ يحمل مواصفات الفاشية.. وحملت بن
سدرين هي أيضا حكومة الجبالي مسؤولية ما يحدث مطالبة إيّاها بمساءلة الجناة
وبتتبع من يقف وراء أعمال العنف وإلاّ فإنّها شريكة في الجريمة.
شيراز بن مراد
مهما
اختلفت الرؤى والمواقف ممّا حدث يوم 9 أفريل في ذكرى عيد الشهداء، فإنّ
مجموعة من النقاط السوداء ستظلّ راسخة في أذهان العديد منّا ومنها العنف
المفرط الذي تعامل به رجال الأمن مع المتظاهرين والذي طال في بعض الأحيان
أناسا كان ذنبهم الوحيد المرور من الشوارع المحاذية للحبيب بورقيبة وكذلك
تواجد ما سمي بالميليشيات أو المدنيين المسلحين بقضبان حديدية وبهراوات إلى
جانب رجال الأمن.. ولأنّ الاعتداءات كان مبالغا فيها حيث تسبّبت في أضرار
جسدية مختلفة لعدد من المتظاهرين، فقد استمعنا لبعض الشهادات التي أكدت
مرّة أخرى الحجم غير المناسب للعنف الذي استعملته قوات الأمن والذي لولا
ألطاف الله لخلّف مزيدا من الشهداء في عيد الشهداء... ملاحظة أخيرة نوّد أن
نسوقها وهي أنّ من أصغينا إلى شهاداتهم ليسوا بصناع فوضى أو بقطاع طرق بل
هم محامون ومهندسون وأساتذة يشرفون تونس ومستقبلها..
وليد بن هندة (مهندس اعلامية):
«ضرب مبرّح وعنف شديد أفقداني وعيي»
«وصلت حوالي السّاعة العاشرة والنصف صباحا الى شارع الحبيب بورقيبة..
وجدنا رجال الأمن يملؤون المكان، فاتفقنا معهم على ألاّ نتجاوز «المنقالة»
لكنهم فجأة شرعوا فجأة في استهدافنا بالغاز المسيل للدّموع، كنا نصرخ بأعلى
أصواتنا بأننا لم نأت للتظاهر بل للاحتفال بعيد الشهداء لكن دون جدوى حيث
واصلوا هجومهم علينا بوحشية.. كانت عملية تركيع مقصودة وتعرّضت شخصيّا الى
الضرب المبرح والتعنيف الشّديد من قبل 5 أعوان أمن مما أفقدني وعيي ولولا
ألطاف الله لاستوجب الاعتداء خضوعي لعملية جراحية، لقد سقطت الأقنعة وتبين
بالكاشف انّه لا وجود لحقوق الانسان ولا للديمقراطية ولا للحرّية.. لقد
تقدّمت بشكوى ضدّ رجال الأمن وأطالب وزير الدّاخلية بالاعتذار».
عبد المجيد الصحراوي (مناضل ونقابي):
«تعرضت الى اصابات ورضوض طالت أجزاء كبيرة من جسدي»
«تعرّضت الى اعتداء وحشي صدر عن عناصر محسوبة على حزب حركة النهضة حيث كان
أغلبهم من الملتحين ومن الذين تعوّدت على مشاهدتهم في المسيرات والمظاهرات
بل انّ احدهم اعرفه بالاسم.. ويبدو انّّهم رفضوا ان يقع تصويرهم وهو ما
دفعهم الى الدّخول معنا في مناوشات سرعان ما تطوّرت لتبلغ حدّ هجوم 6 أشخاص
عليّ وضربي إلى أن طرحوني أرضا، هذا فضلا عن رشقي بوابل من الشّتائم، وقد
تدخّل بعض المواطنين الذين تعرّفوا عليّ وتولّوا تخليصي منهم بعد ان عرّضت
الى اصابات ورضوض طالت أجزاء كثيرة من جسدي.. أنا متأكّد انّ من اعتدوا
عليّ ليسوا من أعوان الأمن بل هم محسوبون على حركة النهضة.. كنا نعتقد
اننا حررنا شارع الحبيب بورقيبة من هيمنة النظام السابق وديكتاتوريته
لنفاجأ بعد الثورة أنّنا ممنوعون من الاحتفال فيه.. وعلى العموم سأتقدم
بشكاية في الغرض وعلى وزير الداخلية ان يفتح تحقيقا ليحدّد المسؤوليات
وليعاقب كل من نغص علينا احتفالنا».
هيفاء بن عبد الله (عضو المكتب السياسي للمسار الديمقراطي الاجتماعي):
«أحد رجال الأمن قذفني مباشرة بقنبلة مسيلة للدّموع»
«ما عشته يوم 9 أفريل كان بمثابة الكابوس فقد كنت شاهدة على الطريقة
الوحشية التي تعامل بها رجال الأمن مع المتظاهرين وكأنّ في قلوبهم «غلاّ»
جاؤوا ليتخلّصوامنه» وتواصل هيفاء بن عبد الله كلامها لتروي ما تعرّضت له
من تعنيف:«لقد كنّا نمشي عندما شاهدنا مجموعة من رجال الأمن بصدد ضرب رجل
مسن (بشارع محمد الخامس قبالة بنك الأمان)، عندها التفت الينا بعضهم وبادر
أحد الأعوان بتحضير حاملة القنابل المسيلة للدّموع فاسرع مرافقي بالابتعاد
غير أني رفعت يدي وطلبت منهم عدم الجري عندها أصبت بقنبلة مسيلة للدّموع
على رجلي اليسرى ثم ارتطمت المقذوفة برجلي اليمنى ممّا خلّف لي تمزقا عضليا
في الساق الأولى والتهابا في الساق الثانية (وهوما سيتطلب 6 أشهر من
المداواة).. والكلّ يعلم ان اتجاه القذف يجب ان يكون الى الفوق في الهواء
ولا مباشرة على أجساد المتظاهرين.. صدقوني مازلت تحت الصدمة لأنّي لم أكن
اتخيّل ان يستعمل ذلك الكم من العنف غير المبرر»..
وقد بلغنا ان هيفاء بن عبد الله خضعت لعملية جراحية يوم الأحد وهو ما يؤكد حدّة الإصابة..
أنور الطرابلسي (رئيس مرصد الحريات والسياسات الثقافية):
«كانوا يركلونني أمام الدّيماسي»
«مازلت الى حدّ الآن لم أعثر تفسيرا للعنف المفرط الذي كاله أعوان الأمن
المتظاهرين الذين جاؤوا للاحتفاء بعيد الشهداء.. أحسست يومها بحزن كبير يلف
العاصمة، فما كان منّي الاّ أن توقفت أمام مبنى الدّاخلية وصحت عاليا
«خليتو البلاد حزينة» وما راعني الا وعون أمن يجذبني من قميصي وينهال عليّ
ضربا وذلك بحضور مدير الأمن توفيق الديماسي و«قرايدي»، ثم قادني إلى النهج
المحاذي لمبنى وزارة الداخلية حيث انضمت إليه مجموعة اخرى من الأعوان
ليشبعوني ركلا ولطما، وقد تلقيت ضربة موجعة جدّا على جبيني مازالت آثارها
باقية الى حدّ الآن الى جانب الأوجاع المختلفة التي مازالت تنتابني»..
ويواصل أنور الطرابلسي كلامه قائلا:«كنت اعتقد انهم سيطلبون بطاقة هويتي او
ان ينهروني، لكن ردّة فعلهم كانت متشنجة بل مجنونة اذ لم أكن حاملا هراوة
او قضيبا بل كنت أرفع علم تونس بين يدي.. وأؤكد لكم انّي مع العنف الشرعي
الذي تمارسه الدولة ومع ما يضبطه القانون في اطار الشرعيّة والمواثيق
والتحذير والنسبيّة..» هذا وأعلمنا أنور انّه رفع قضية في الغرض لائتلاف
المجتمع المدني الذي تقوده الرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان إذ
انّ التعنيف الذي طاله لا مبرّر له وهو يتنزّل في خانة الاستبسال في
التنكيل.
جوهر بن مبارك (شبكة دستورنا):
«كانت أجواء حرب»
«تعرّضت للتعنيف مرتين الأولى عند حدود الساعة العاشرة صباحا أي عند انطلاق
المسيرة حيث تلقيت ضربة على يدي من قبل أحد أعوان الأمن ثم في مرحلة
ثانية انهالوا علينا ببوابل من الشّتائم والسباب ثمّ القبض عليّ لتنطلق
سلسلة من الاعتداءات داخل سيّارة الشرطة.. أعتقد انّ ما حدث هو استعمال عنف
مفرط غير مبرر ضدّ مجموعة كبيرة من التونسيين أتوا لاحياء عيد الشهداء،
لكن تصرّفات وزارة الدّاخلية أدت الى المفعول العكسي حيث أظهرت انّ تونس في
وضع حرب وهو ما من شأنه انّ يعطّل الحركة السياحيّة.. هناك اخطاء متراكمة
نجمت عن الحكومة وذلك على جميع المستويات ولعلّ التراجع في قرار منع
التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة دليل على خطئه».
أمين الجلالي (محام):
«كان بوليس بن علي المتعطش للقمع»
«كنت يومها واقفا في شارع «جون جوراس» فجأة اقتربت منّي مجموعة من أعوان
الأمن كانت تضمّ حوالي 15 عونا طلبوا منّي الانصراف فأجبتهم بأنه طالما لا
يجد حظر تجوال فبامكاني الوقوف والتجوّل في ايّ شارع من شوارع الجمهورية،
حينها شتموا أمّي (أمين ابن الصحفية نزيهة رجيبة) وتلفّظوا بعبارات نابية
يندى لها الجبين زد على ذلك سب الجلالة وعندما لمتهم على شتم أمّي انهالوا
عليّ ضربا بالهراوات ثم طرحوني أرضا ودهسوني بأحذيتهم، تعرّضت الى عدّة
اصابات في رجليّ وركبتيّ وظهري... يوم 9 أفريل رأيت بوليس بن علي المشتاق
الى الضرب وقد أعطاهم وزير الداخلية الفرصة لذلك وشخصيا لي معلومات ان
مستشاره كان يشاهد كل ما حدث ولم يحرّك ساكنا.. فالتجّار لم ينزعجوا من
المواطنين بقدر ما انزعجوا من همجيّة رجال الأمن، وصحيح انّ الدولة تحتكر
وسائل ردع لكن يجب ان توظّفها في حقّها، هم يريدون ان يعيدونا الى المرحلة
السابقة ايّ عندما نمرّ أمام وزارة الدخلية نطأطئ رؤوسنا لكنّهم لن يحلموا
بذلك مجدّدا ومن هذا المنطلق تقدّمت بشكوى ضدّ وزير الداخلية حتى أستردّ
حقّي».
شيراز بن مراد وريم حمزة
ارتفعت هذه الأيّام وتيرة التهجّم على الإعلام التونسي من قبل نوّاب
ينتمون الى حركة النّهضة وحتى من قبل الوزير النهضوي طارق ذياب..
فقد
انتقد النّائب عامر العريض الإعلام ذاكرا أنّه لم يلتحق بعد بالثورة وأنه
يحنّ الى نظام الاستبداد وقال: «مشكلتنا ومعركتنا مع الأقلّيات الفاسدة
التي كانت تتمعّش من أموال اليتامى والفقراء».. ثم يتضارب العريض مع نفسه
ليكيل نقده للإعلام العمومي بأكمله اذ يقول:«ان جزءا كبيرا من الرأي العام
يريد خوصصة الإعلام العمومي» ولسنا ندري من أين أتى العريض بهذا الحكم
القطعي والمسألة لم تخضع حتى لعملية سبر آراء.
أما النائب أبو يعرب
المرزوقي فقد وصف الإعلام بـ«السّفيه المسيّب» Le connard déchaîné وذلك
للحطّ من قيمته مقارنة بما يكتب في الصّحيفة الفرنسية Le canard enchaîné
التي عرفت بنقدها اللاذع لرجال السّياسة.
أمّا وزير الرّياضة طارق
ذياب، فقد أخذ -هو أيضا ـ نصيبه من استهداف الإعلاميين إذ أكّد انّ
الصحافة لم تتغيّر ولم تصلها الثّورة (أما لاحظتم أنّ هذه النقطة قاسم مشترك
بين المتهجمين؟) متسائلا كيف للصّحافة ان تكون وطنية وهي التي كانت تتلقّى
أموالا من بن علي، إلى غير ذلك من السهام والخناجر الموجهة إلى الإعلام
التونسي الذي أضحى ـ وإحقاقا للحق ـ يتمتّع بهامش هام من الحرّية وهو بقيد
التعافي واكتساب المهنية المطلوبة..
كم وددنا لو سخرت هذه الشخصيات طاقاتها في مقاومة الآفة الأولى التي تعاني منها تونس وهي
البطالة لتقدّم لنا حلولا عمليّة من أجل الحدّ من تفاقم هذه الظّاهرة،
فنحن لم نلاحظ الى حدّ الآن ارادة حقيقيّة ومبادرات ملموسة لمقاومتها، فأين
هي مشاريع وزارة الرّياضة والشّباب لتشغيل الشباب العاطل عن العمل وأين هي
الأفكار المتفردة والمبتكرة التي يمكنها ان تشكل البديل ولتكون القاطرة
التي تدفع بنمو تونس الى الأمام.. لم نر شيئا من كلّ هذا بل رأينا كيف
تعاملت وزارة الداخلية يوم السبت 7 أفريل مع الوقفة الاحتجاجية التي نظّمها
اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل ليعبروا من خلالها عن ظروفهم
الصعبة، وكيف قوبلت يوم 9 أفريل مجموعة الشبان الذين أتوا في مسيرة على
أقدامهم من سيدي بوزيد للتعبير عن مشاغلهم, فكان أن أشبعهم أعوان الأمن
ضربا واعتداءات وإهانة.
بصراحة نتساءل اليوم عن سرّ هذه الهجمة على
وسائل الإعلام وكأنّ بمن يشنّها يريد من الإعلام أن يستعمل لغة البندير
والطبل وهزان القفة للحكام الجدد, والاّ فهو من المغضوب عليهم!!
لسنا
ندري متى تتغيّر العقليات ويكفّ من أصبحوا يتكلّمون بعقلية «خمسة وافي» عن
التهجّم على من يخالفونهم الرأي؟ فالديمقراطية لا يمكن ان تُبنى على مثل
«واحد يتحّي وواحد يزكّي» بل من أسسها الاختلاف في الرأي والنقد والرقابة
والمعارضة.. فارحمونا يرحمكم الله، سنهتمّ بترميم بيتنا واهتمّوا أنتم
بمعالجة القضايا السّاخنة التي لم تعد تتحمّل الانتظار.
شيراز بن مراد
شدّد العميد السابق لكلية الحقوق والعلوم السياسية الهادي بن مراد على
ضرورة صياغة دستور الانعتاق النهائي من جبروت الحاكم أو السلطة، وأكد خلال
ندوة نظمتها كلية الحقوق بالمنار مؤخرا حول موضوع «دستور تونس الجديد بين
القطيعة والاستمرارية» على أهمية انتاج فكر مستنير يثبت الذات وينتج قواعد
احترام الآخر ناهيك أنّنا رواد الثورات العربية.
وجاء في مداخلة
الأستاذ بن مراد أنّه علينا تجاوز الشوائب الدستوريّة وتوفير ظروف النجاح
الاجتماعي والسياسي من أجل انتاج دستور يمثل الرابط الاجتماعي الذي يضم ما
هو مشتركا بين مختلف أطراف المجتمع. وأضاف أنّ صياغة الدستور تتطلب معالجة
رصينة لا تصدّع وحدة المجتمع غير أنّ هناك نقاط عديدة تستوجب الحسم ومنها
علاقة الدين بالدولة التي تتطلب إيجاد أرضية تعايش دستورية بينهما.
ومن
بين النقاط التي أكّد عليها المحاضر أهمية دسترة المبادئ الاقتصادية
القائمة على المخزون الإسلامي أي إعادة الروح لقيم التضامن والتآزر
والتقليص من التفاوت الاجتماعي الذي يمثل استمراره خطورة قصوى بعد الثورة،
وكذلك دسترة مبادئ الحرية والمساواة.
أما على مستوى النظام السياسي،
فقد أشار الهادي بن مراد إلى أن اختيار النظام السياسي الأمثل (رئاسي أو
برلماني أو مختلط) لا يطرح إشكاليات كبرى بقدر ما علينا أن نعمل على ضمان
توازن السلط وتفعيل آليات الانسجام بينها لتفادي التصادم.. فضلا عن العمل
على كسر نمط السلطة المغلقة والمعدمة للحرية من خلال تفعيل آليات الرّقابة
إذ أنّ السلطة السياسية ميّالة بطبعها الى التسلط.. وأضاف بن مراد أنّ دور
المجلس التأسيسي تاريخي في وضع آليات تقييد السلطة والخروج بها من مصاف
الأنظمة المغلقة، ومن بين هذه الآليات القضاء الدستوري الذي يتبوأ الصّدارة
لأنّه يكسي الصبغة السلمية على الصراعات السياسية ومعه يختفي العنف
السياسي ولو بصورة تدريجية. وختم بن مراد مداخلته قائلا إنّ الدستور هو
مرآة عاكسة لنظام القيم المشتركة بين مكوّنات المجتمع، ومن هذا المنطلق لا
ينبغي أن تكون صياغته بأيادي مرتبكة بل بارتعاش الأيادي والعقول.
شيراز بن مراد
في
مفترق نهجي جون جوراس ولينين وبالتحديد أمام مقرّ «دار الأنوار»، تعالت يوم
الاثنين 9 أفريل زغاريد نساء تونس أمام جنون رجال الأمن الذين أطلقوا
العنان لوحشية يبدو انّهم كبتوها طيلة سنة كاملة.. كان مشهدا سرياليا
تداخلت فيه الزغاريد بالغاز المتصاعد من القنابل المسيلة للدموع وبالأحجار
التي رشقها بعض الشبّان وهم يتصدّون لرجال الأمن.
انهمرت الدّموع من
عيني تأثرا بما عاينته من عزم وتشبث بالحق في حرية التعبير والتظاهر ونحن
نحتفي بعيد الشهداء وبالوفاء لدمائهم الزكيّة... لم أكن أتوقّع ان «تستبسل»
قوات الأمن في تعنيف المتظاهرين وردعهم بطريقة استنكرتها عديد الأطراف ما
عدا وزارتي الداخلية وحقوق الإنسان... وقد بدا لنا السيد علي العريض عند
تحدثه في القناة الوطنية مساء الاثنين وكأنّه وزير موظّفيه لا وزير أمن كل
التونسين اذ كان على علم بعدد المصابين من أعوانه وهم تسعة، بينما لم تكن
لديه أيّة فكرة عن الإصابات التي تعرّض لها المتظاهرون العزل وهي بالمئات.
فهذه مجموعة من رجال الأمن الملثّمين تعتدي بوحشيّة كبيرة على المحتجين
(وقد يكونون مجرّد مارّة) في شارع محمد الخامس ولم تنفع توسّلاتهم في اطفاء
هيجان رجال الأمن، وهذه طبيبة تتلقّى ضربة على مؤخرة رأسها عندما كانت
بصدد فحص متظاهرة أغمي عليها، وهذه سيارة أمن كبيرة الحجم «باقا» تخترق
بسرعة جنونية شارع الهادي نويرة وإذا بها تدفع بعض الأشخاص الذين لو لا
الطاف الله لما قاموا سالمين، وغيرها من الاعتداءات العبثية التي لا تشرّف
الأمن الجمهوري.
مازال وقع الزّغاريد يرنّ في أذني لأنّ مواطني بلادي
أحرار أحبت أم كرهت وزارة الداخلية التي يبدو انها أعدّت عدّة قنابل مسيلة
للدّموع لتنفث سمومها البيضاء على أحمر وأزرق وأخضرالعاصمة.
أتساءل إن
كان ضمير وزير الدّاخلية مرتاحا، فما أقدمت عليه قواته من تعنيف مبالغ فيه
ضد المتظاهرين يوم 9 أفريل 2012 سيكتب في السجلّ الأسود لوزارة خلنا انّها
تحاول القطع مع ممارسات الماضي.
ستعلو زغاريد نساء تونس على أزيز طلقات
القنابل المسيلة للدّموع التي أراد علي العريض ان يواجه بها من تجمهروا
وفاء لدماء الشهداء... ستعلو الزغاريد في سماء تونس رغم الداء والأعداء.
شيراز بن مراد
صدر منذ أيام مؤلف قيّم سهرت على إعداده الأستاذة الجامعية والكاتبة
الصحفية نورة بورصالي، يحمل عنوان «بورقيبة وامتحان الديمقراطية».. وقد
تطرقت فيه للانحرافات السياسية التي شهدها المسار الديمقراطي التونسي إبّان
الاستقلال وبالتحديد في الفترة الفاصلة بين سنتي 1956 و1963.
ولإيضاح
الصورة على المستوى التاريخي، قسمت نورة بورصالي كتابها إلى خمسة محاور
تضمن كل واحد منها مجموعة من الشهادات الرسائل والصور النادرة.. قدمتها
المؤلفة بطريقة مبسطةولافتة للانتباه تستفز القارئ للتفاعل مع حيثيات أحداث
جدّت منذ 50 سنة خلت.. فمن نضال الفلاقة إلى انتخابات المجلس التأسيسي (25
مارس 1956) إلى محاولة هيمنة الحزب الدستوري الجديد على وسائل الإعلام
والسلط القضائية مرورا باضطهاد اليوسفيين، وصولا إلى الانقلاب الذي حاولت
مجموعة لزهر الشرايطي تنفيذه في شهر ديسمبر 1962.
وقد وصفت نورة
البورصالي السنوات الثماني الأولى من حكم الزعيم الحبيب بورقيبة
بـ«الديمقراطية التسلطيّة» موعزة الانحراف الذي شهدته الديمقراطية الوليدة
إلى عدّة عوامل لعلّ أهمّها سعي «حزب بورقيبة» للهيمنة والتغلغل في أغلب
النقابات والجمعيات الوطنية، إلى جانب مصادرة حريّة الإعلام بعد أن أصبح
بورقيبة يعتقد أنّ حريّة التعبير والنقد يمكن أن تهدّد لحمة الوطن وتؤدي
إلى انهيار الدولة.. وفي هذا السياق منعت عدّة صحف من الصدور على غرار
جرائد الحزب الشيوعي («الطليعة» و«منبر التقدم») في ديسمبر 1962 ثمّ جريدة
«لاكسيون» التي كان يديرها بشير بن يحمد..
ومن العوامل الأخرى التي
زاغت بالديمقراطية عن مسارها الطبيعي ذكرت نورة البورصالي تصفية المعارضين
اليوسفيين وعلى رأسهم المناضل صالح بن يوسف الذي اغتيل في ألمانيا يوم 14
أوت 1961، وتعرّض المشاركين في انقلاب 62 إلى محاكمات ظالمة دجن فيها
القضاء لخدمة أغراض سياسية بحتة ومنع الحزب الشيوعي التونسي من النشاط في
جانفي 1963وملاحقة مناضليه. ولم تغفل نورة البورصالي على إبراز جانب آخر
وهو فخ «تأليه الشخصية» الذي سقط فيه بورقيبة..
ومن بين الشهادات
التاريخية التي تضمنها الكتاب، ما جاء على لسان المناضل عبد القادر بن يشرط
الذي حكم عليه بـ20 سنة أشغالا شاقة لمساهمته في الإعداد لانقلاب 62 وما
جاء كذلك على لساني المناضل الشيوعي جورج عدّة والمناضل اليساري نورالدين
بن خذر وغيرهما ممن ذاقوا ويلات نظام بورقيبة.
بعيدا عن منطق النقد
الفضفاض، يعتبر مؤلف نورة بورصالي وثيقة تاريخية أبرزت المنزلق الذي سقطت
فيه الديمقراطية البورقيبية والتي أدت الى سيطرة الحزب الواحد والرّجل
الواحد والرأي الواحد.. وممّا يشدّ الانتباه في هذا الكتاب هو الجانب
الإنساني الذي ركزت عليه الكاتبة ـ من خلال الشهادات والرسائل والحوارات ـ
لتروي شيئا من ذاكرة الجسد والتحدي والقهر.
"أنا مواطن يمشي على
الرصيف" عبارة استقيتها من مقال كتبه أستاذي الجامعي شيحة قحة وعبر فيه عن
خيبته مما آلت اليه تصرفات التونسيين حيث كتب "منذ الثورة أصاب البلاد توتر
شديد أضناها وأفقدها رشدها... الكل في تهافت لا ينتهي... الكل يصرخ واقفا
ولا يفعل الا العويل... في تونس, الكل شاد برقبة الآخر, الكل يلعن ويتوعد
ويزمجر". وأتذكر أن الاستاذ شيحة قحة كان يحثنا باستمرار على طلب العلم
والسعي الى تحصيل المعرفة وعلى أهمية احترام القوانين في بلد تغيب فيه
علويته.
و لئن كانت عبارة "مواطن يمشي على الرصيف" بسيطة في ظاهرها
فإنها حبلى بالمعاني و الدلالات التي يستوجب التوقف عندها ... فمبدأ
المواطنة يجب أن يترسخ في أذهان العديد منا لما يتضمن من مفاهيم تتعلق
بتساوي الجميع أمام القانون وذلك مهما كانت انتماءاتهم الاجتماعية أو
ميولاتهم السياسية, وكذلك بالحقوق والواجبات فلا سبيل مثلا لأن يحرم
متساكنو المناطق الداخلية من جودة المرافق الإدارية أو الصحية أو الرياضية
أو الثقافية مثلما هو متوفر في العاصمة وكبرى المدن, و لا مجال أيضا لأن
يستغل البعض انتماءاتهم السياسية للظفر بامتيازات قد لا يستحقونها, ولا
مكانة لمن يستهين بثوابت العقد الاجتماعي الذي يربط بيننا.
المواطنة
تعني أيضا الخضوع لسلطة القانون فلا يعقل مثلا أن يُفلت من المساءلة ومن
العقاب من سولت له نفسه بتشويه أعراض الآخرين أو الاعتداء على أملاكهم أو
من ينادي بإستعمال العنف ضد أي كان من آبناء هذا الوطن.
أما الكلمة
الثانية التي استوقفتني فهي« يمشي» و لهذا الفعل معنى عكسي لحالة التعثر و
التخبط التي أضحت تهدد تونس والتي تتطلب اليوم وقفة حازمة حتى نمشي كلنا
مواطنين و مجتمعا مدنيا و أحزابا و حكومة في اتجاه المطالب التي نادت بها
الثورة التونسية و منها التشغيل و الحرية و العدالة الاجتماعية ... فالهدف
هو أن تدور عجلات هذا البلد على طريق تلبية حاجيات المهمشين و تضميد جروح
المضطهدين و فتح أبواب الأمل أمام كل التونسيين.
ثم تأت لفظة «الرصيف»
الذي يرمز للدولة ولقدراتها في تأمين البنية التحتية و في وضع استراتيجيات
التنمية المناسبة للنهوض بهذا البلد... إذ كيف لنا أن نتقدم و أن نصبو لغد
أفضل إذا انكفأت الدولة على نفسها و لم تشمر عن سواعدها بالإعتماد على كل
الكفاءات التونسية لرسم ملامح الجمهورية القادمة...
فلنمش مواطنين على الرصيف حتى لا تنطبق علينا كلمات الشاعر محمود درويش الحزينة:
لا الأمس يمضي و لا الغد يأتي
و لا حاضري يتقدم و لا شيء يحدث لي
ليتني حجر.
شيراز بن مراد
انطلقت
بفضاء التياترو بالعاصمة، الدورة الثانية للقاء المسرح القصير بمشاركة
مجموعة من المخرجين على غرار نوفل عزارة ومعز القديري وعبد المنعم شويات
وحاتم القروي لتتواصل الى غاية يوم السبت 14 أفريل.. وقد اخترنا أن نقدّم لكم لمحة عن 4 عروض شدّتنا لطرافة طرحها ولجماليّة مشهديتها..
«على البنك» لمعز القديري: باقات زهور فاضحة
بألوان ربيعيّة فاقعة وبروح ساخرة، قدّم معز القديري مسرحية «على البنك»
وهي عبارة عن بطاقة بريدية تحوصل النزعة التجارية التي تسيطر على القنوات
التلفزية والتوّجه السخيف الذي يستبله المشاهدين ويخاطب سذاجتهم لا
ذكاءهم.. وقد نجحت اللوحات الأربع المكوّنة للمسرحية في تمرير رسالة نقدية
قويّة للمضامين التلفزية إضافة للجمالية التي توّفق معز القديري في خلقها
لتكون اللوحات بمثابة باقات زهور فاضحة تغرينا للتمتع بمنظرها وللغوص في
مفاهيمها.
«مضمض» لحاتم القروي: هل انطلق المنحدر الاستبدادي؟
على
عادته اختزل حاتم القروي طريقه ليذهب مباشرة للهدف ولكي يقول لنا: «مضمضوا
على الحريات والمساواة، مضمضوا على حريّة التعبير والمعتقد» طالبا من
الحكام الجدد أن يوّضحوا للشعب خريطة الطريق التي سيتبعونها في مسارهم
القمعي.. وقد تماهى حاتم القروي مع دور المتشائم الذي يتجرّع مرارة فقدان
الحريّات والحقوق تاركا جانبا التفاؤل الذي عوّدنا عليه، فهل دقت نواقيس
الخطر فعلا وهل انطلق المنحدر الاستبدادي الذي يحذرنا منه حاتم؟
«أكاهو» لعماد جمعة: توّجسات ومخاوف على فن الرقص
«هل يهمّك أن تشارك في قمة عربية تُعنى بمناقشة حقوق الرّاقصين بأفغانستان
من 26 إلى41 ماي؟» بهذا السؤال تطرّق الفنان عماد جمعة والفرقة الراقصة
التي رافقته الى موضوع حريّة فن الرقص.. فوسط ديكور غلب عليه اللون الأسود
وبتعبيرات جسمانية نقلت شيئا من الأوجاع الداخلية، عبّر عماد جمعة عن
توّجساته ومخاوفه على مستقبل فن الرّقص. وقد حملت اللافتات التي رُفعت خلال
المسرحية تنبؤات بانسداد الأفق حيث كتب على إحداهما: «فرقة شراطة Show
تعتصم فوق سطح وزارة الثقافة» و«القبض على فرقة عماد جمعة بتهمة اجتياز
الحدود». ويمكن القول إنّ مسرحيّة «أكاهو» جاءت في قالب صرخة راقصة
تعكس التوجس من المخاطر التي يمكن أن تحملها أوضاع العالم العربي لمهنة
الرّقص.
«نهاية كابوس» لنجيب خلف الله: في رمزية الرؤساء
تضمنت
مسرحية «نهاية كابوس» لنجيب خلف الله ثلاث لوحات نقدية شدّت انتباه
المشاهدين بـ «ضمارها»، ولعلّ أكثر هذه اللوحات نجاحا تلك التي ظهر فيها
الثالوث نجيب خلف الله ومحمد الداهش وعمار اللطيفي وهم يلبسون حفاظات مسنين
محاولين إيهامنا بأهمية المحادثات الدائرة بينهم وبمصيرية القرارات التي
سيتخذونها في إيحاء واضح للقيادات السياسية التي أضحت تستعمل اللغة الخشبية
وهي في قطيعة مع الشعب. وقد كان يمكن للمسرحية أن تقتصر على هذه اللوحة
النقدية الساخرة والمحمّلة بمضمون رمزي في منتهى البلاغة مع تطوير مضمونها طبعا.
بينما
استنكرت عديد المنظمات الوطنية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل
والرابطة التونسية للدّفاع عن حقوق الانسان وعدد من الاحزاب و جمعيات
المجتمع المدني الاعتداءات العنيفة التي أقدمت عليها قوات الأمن في حق
المتظاهرين الذين حلوا بشارع محمد الخامس يوم الاثنين 9 أفريل إحتفاء بعيد
الشهداء معتبرة أن العنف المستعمل يشكل مسّا خطيرا بحقوق الانسان وانتهاكا
صارخا للحريات العامة والفردية... في ظلّ هذه التحرّكات المستنكرة
والمندّدة لازمت وزارة حقوق الانسان و العدالة الانتقالية الصمت المطبق و
لم تبادر بإصدار و لو بيان مقتضب حول ما تعرض له مواطنون تونسيون من
تجاوزات خطيرة من تعنيف و ركل وضرب بالهروات وبالقضبان الحديدية و كأن
الأمر لا يعنيها... وقد بادرنا بالإتّصال بالوزارة للتثبت إن كان هناك
بلاغ أو بيان أصدر في هذا الصّدد، فأعلمنا محدّثنا بأن الوزارة لم تفعل أيّ
شيء من هذا القبيل... وهنا يجوز أن نتساءل هل يعقل أن تصمت وزارة حقوق
الانسان على الاعتداءات والانتهاكات العديدة والمتعدّدة التي جدّت في ذلك
اليوم الأسود؟ قد تكون هذه بدعة تونسية وافق عليها الوزير وقد يكون سمير
ديلو يفهم ـ وهو وزير حقوق الانسان والعدالة الانتقاليةـ حقوق الانسان
أكثر منا لكننا نقول له أن ما عايناه ـ كمواطنين وكصحافيين ـ من تجاوزات
يندى لها الجبين من قبل قوات الأمن في حق المتظاهرين كاف لتأكيد خطورة ما
أتته هذه القوات... كنا نود أن يعرب السيد سمير ديلو عن ادانته للإنتهاكات
كما أعرب عن ذلك يوم 7 ماي 2011 عندما شهد شارع الحبيب بورقيبة اعتداءات
ضد مواطنين تظاهروا على خلفيّة تصريحات فرحات الراجحي المتعلقة بوجود
حكومة خفيّة وانقلاب يجري الاعداد له من قبل الجيش في حالة وصول حركة
النهضة للسلطة، لكنّ شيئا من ذلك لم يكن... الآن فقط أدركت لماذا لم تبارك
بعض الأصوات الحقوقية بعث وزارة تُعنى بحقوق الانسان وتساءلت عن جدوى هذه
الوزارة معللة بأن مسألة حقوق الانسان يجب أن تظلّ بيد الجمعيّات
المستقلّة ولا بيد أي طرف حكوميّ... يمكننا أن نجزم اليوم أن صمت وزارة
حقوق الانسان عن الاعتداءات التي تعرض لها مواطنون تونسيون له علاقة
بالاصطفاف الحزبي و«بإنصر أخاك ظالما أو مظلوما»...
بقناعة من يؤمن بفضائل المسرح وبالقيم الإنسانية التي ينادي بها، أكّد لنا
الممثل معز مرابط أن نضال المسرحيين أضحى قضية مصيرية وذلك بعد تعدد
الإهانات وآخرها الإعتداء الذي وقع يوم 25 مارس الفارط أمام المسرح البلدي.
وذكر لنا معز أنّ المهنة باتت مهدّدة في وجودها قائلا: «قبل فرار بن علي،
كنا نعاني من عدّة مشاكل منها الرقابة والصنصرة وحريّة الإبداع، أمّا اليوم
فقد تفاقمت المخاطر وصرنا نتعامل مع ناس يريدون إحكام قبضتهم على أذهان
الناس، والأدهى والأمرّ أنّ بعضهم يتحدّث بمنطق الحرام والحلال، وهو ما
سنتصدى له بكلّ ما أوتينا من قدرة على الإبداع»..
وفي السياق نفسه،
أفادنا «دكتور صقلي» (وهو الدور الذي أداه في مسرحية "يحيى يعيش" للفاضل
الجعايبي) بأنّ عددا من الفاعلين في الحقل المسرحي قرروا -اثر اجتماع انتظم
مؤخرا بالمعهد العالي للفن المسرحي- تكوين لجنة يشرف عليها كل من رجاء بن
عمار وسليم الصنهاجي وسامي نصري, ستعمل على التنسيق وجمع الاقتراحات بهدف
رسم معالم استراتيجية ثقافية تُعنى بإعادة النظر في قوانين المهنة وفي
الممارسة المسرحية، وهو ما يعتبره معز مرابط السبيل الأمثل الذي يجب
انتهاجه من أجل إنقاذ المسرح ممّا آل إليه من أوضاع مترديـة.. هذا طبعا الى
جانب أهمية التضامن مع الحالات الانسانية التي تشكو صعوبات وتمرّ بأوضاع
إجتماعية هشة.
وبخصوص "واقعة 25 مارس" التي استهدف خلالها متظاهرون
سلفيون مجموعة الفنانين الذين كانوا يحتفون باليوم العالمي للمسرح، اعتبر
معز مرابط أنّها مثلت إهانة كبرى لكل المسرحيين واعتداء لا يمكن الصمت عنه
بالنظر إلى ما حمله من شحنة عنف وترهيب. وأضاف مخاطبنا قائلا: «إنّ ما زاد
في ألمنا هو ذاك البيان المخجل الذي أصدرته وزارة الداخلية ونفت فيه تعرض
الفنانين للاعتداء، والحال أنّه تمّ رمينا بالبيض وبقوارير المياه
وبالأحذية بل إنّ بعضهم ظلّوا يسيّرون أيديهم على رقابهم، في إشارة الى نية
ذبح المتظاهرين... في تلك اللحظة أدركنا نقطة اللاعودة، وكنا مستعدين
للمواجهة، وكيف لا نفعل وهؤلاء ينفون حق الفنان في الحياة»..
وختم معز
حديثه معنا بالتعبير عن أسفه من بعض الشخصيات السياسية وبعض وسائل الإعلام
التي خففت من حدّة الموضوع ولم تأخذه على محمل الجد في حين أنّه كان يتطلب
مواقف أكثر حزما و تنديدا بما حدث, مذكرا ايانا بأن الفاشية والنازية
أسدلتا ستار القمع والتسلط باسم امتلاك الحقيقة المطلقة مثلما تحاول اتيانه
اليوم بعض الحركات المتشددة دينيا...
شيراز بن مراد
أعلنت حركة التجديد وحزب العمل التونسي ومستقلون من القطب الحداثي
الديمقراطي انصهارهم في حركة جديدة أطلق عليها اسم "المسار الديمقراطي
الاجتماعي" وهي خطوة أولى في المسار التوحيدي الذي سيفضي إلى ميلاد حزب
وسطي تقدمي يجمعها بالحزب الموحد الذي سينبثق عن اندماج كل من الحزب
الديمقراطي التقدمي وحزب آفاق تونس والحزب الجمهوري (وهي الأحزاب الثلاثة
التي من المفروض أن تعقد مؤتمرها التوحيدي أيام 7 و8 و9 أفريل).
وأفادت الأحزاب المنصهرة في حركة "المسار" أنّها تتبنى توّجها ديمقراطيا
اجتماعيا تقدميا يحمل مشروعا مجتمعيا يلتزم باستحقاقات الثورة ويكون قادرا
على رفع التحديات وفي مقدمتها معركة التنمية. ومن بين المحاور التي ستناضل
من أجلها الحركة: وضع دستور ديمقراطي ينصّ على إرساء جمهورية ديمقراطية
ودولة مدنية تقوم على المواطنة وتكون فيها إرادة الشعب -من خلال انتخابات
حرّة ونزيهة- مصدرا للحكم وقاعدته سيادة القانون, وكذلك تكريس الفصل بين
السلط والتوازن بينها واستقلال القضاء والاعلام وحياد الادارة والاجهزة
الامنية ودور العبادة. كما يبرز من خلال النقاط العشر التي جاءت في اللائحة
التي أصدرتها حركة "المسار" دعمها للتمشي الاجتماعي والتضامني الذي نادت
به الثورة التونسية، فقد أكدت اللائحة مثلا على «ضرورة بناء اقتصاد وطني
يعتمد على التنمية الشاملة والمستدامة ويقطع مع أنموذج النيوليبرالي
المتوحش الذي أدى إلى الحيف الاجتماعي وإلى اختلال التوازن بين الجهات
والقطاعات». كما دعت الحركة إلى «اعتماد حوكمة رشيدة عادلة تضمن السيادة
الوطنية واعتبار حق الشغل والكرامة لكل التونسيين وخاصّة المهمشين منهم
وكذلك السكن اللائق والتغطية الصحية والاجتماعية والتعليم المجاني
والتكوين، حقوقا دستورية أساسية لتحقيق كرامة المواطن».
وقد صرّح سمير
بالطيب الناطق الرسمي لحركة "المسار" أن الأحزاب المذكورة ساعية لتوحيد
الصفوف على أن تكون جاهزة بـ «حزب كبير» في المعارك السياسية القادمة...
ويذهب هذا التصريح في الاتجاه نفسه الذي ذكرته مية الجريبي الأمينة العامة
للحزب الديمقراطي التقدمي فقد أكدت أن النقاشات حثيثة مع مكونات حركة
"المسار" بهدف تجسيد الانصهار في حزب واحد خاصّة أنّ الطرفين ـ والكلام
لمية الجريبي ـ يتقاسمان نفس المبادئ و الرؤى..
• ويذكر ان الحركة
ستعقد اليوم الخميس 15 أفريل على الساعة 11 بفضاء التياترو بالعاصمة ندوة
صحفية لتقديم نتائج الندوة التأسيسية لحركة "المسار الديمقراطي الاجتماعي".
أثار قرار جماعة الإخوان المسلمين بمصر ترشيح القيادي الإخواني خيرت
الشاطر لرئاسة مصر استهجان عديد الاعلاميين والسياسيين الذين رأوا في هذه
الخطوة خطأ فادحا وجسيما قد يهدد مستقبل مصر. ففي حال فوز الشاطر بالرئاسة
سيهيمن حزب الحرية والعدالة –وهو الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين-
على أهم الهياكل الحكومية و هي مجلسا الشعب والشورى و الجمعية التأسيسية
للدستور ورئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية مما قد يفتح أبواب الاستبداد
مجددا, في حين رأى شق آخر في هذه السيطرة مجازفة غير مأمونة العواقب.
فتحت عنوان "وقعوا في الفخ" اعتبر الكاتب الصحفي فهمي الهويدي (جريدة
الشروق المصرية) أن الإخوان وقعوا في الفخ و استسلموا لثلاثة أنواع من
الفتن فتنة السلطة وفتنة الأغلبية وفتنة الأضواء. وتساءل قائلا: كيف مر على
الإخوان أن الجماعة المصرية بل و المجتمع المصري بأسره يمكن أن يتحمّلوا
في وقت واحد رئاستهم لمجلسي الشعب والشورى و الجمعية التأسيسية للدستور
ورئاسة الحكومة و رئاسة الجمهورية أيضا؟
أما الكاتب عمرو الشوبكي
(صحيفة المصري اليوم) فقد اعتبر أن ما اقدمت عليه جماعة الاخوان المسلمين
«مخاطرة كبرى» من شأنها أن تفقدهم دعم قطاع من الرأي العام و النخبة و أن
تثير ريبة الدولة في نواياهم, و لو أن الشوبكي اعتبر أنه من حق أي جماعة
سياسية أن تسعى للوصول إلى السلطة.
وفي السياق نفسه اتهم ابراهيم عيسى
مدير صحيفة التحرير جماعة الاخوان بالكذب و النفاق و نكث العهود موضحا أنه
لا يمكن اعتبار الانتخابات ديمقراطية و نزيهة في ظل وجود حزب ديني ينافس
حزبا مدنيا, و أضاف أن الاخوان بما يفعلونه من غطرسة وغرور وبطش بإسم
الأغلبية سيدفعون ببلدهم إلى "دولة مصر الإخوانية".
و الغريب أن ترشيح
خيرت الشاطر لرئاسة مصر لاقى أيضا معارضة عدد من القياديين الإخوانيين و
منهم كمال الهلباوي المتحدث السابق باسم الإخوان المسلمين الذي أعلن
استقالته من الجماعة قائلا: "أعلن استقالتي لأنهم دفعوا بمرشح رئاسي وأتمنى
من الشباب عدم التورط في التردد والفساد والتخبط داخل الجماعة, الإخوان
أصبحوا يكذبون وقاموا بإتباع أسلوب الحزب الوطني المنحل".
وفي السياق
نفسه صرح محمد البلتاجي القيادي البارز بحزب الحرية والعدالة بأن الاخوان
وقعوا في الفخ مؤكدا أنه رفض ترشيح رجل الأعمال خيرت الشاطر لرئاسة مصر
ومعتبرا أنه من الظلم للوطن و الإخوان أن يتحمّل الإخوان وحدهم مسؤولية مصر
كاملة في هذه الظروف الحرجة من مجلس شعب و شورى وجمعية تأسيسية للدستور
وحكومة ورئاسة.
ويذكر أن بعض المصادر الاعلامية أثارت موضوع الموافقة
الضمنية للولايات المتحدة الأمريكية على ترشح الاخواني خيرت الشاطر للرئاسة
إذ أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن صعود المرشح السلفي حازم صلاح
أبو اسماعيل لرئاسة مصر يفسر موافقة أمريكا على القرار الذي اتخذته جماعة
الإخوان المسلمين مضيفة أن صانعي السياسة الأمريكية يرون أن التحالف مع
الاخوان ضروري لمجابهة التيار السلفي المتشدد.