الخميس، 3 مايو 2012

«خمس كاميرات محطمة».. اُصمت أو مُت!

من مزايا الأفلام الوثائقية أنّها تنقل لك وقائع وأحداثا لا تشاهدها في أيّة نشرة إخبارية... فمن سمع مثلا عن صمود سكان قرية بلعين الفلسطينية وعن مقاومتهم الصامدة لوحشية الجنود الإسرائيليين؟ ومن علم باستبسالهم في الدفاع عن أرضهم ضد توسع المباني الاستيطانية الإسرائيلية؟
هي أحداث سمح لنا مهرجان الأفلام الوثائقية الذي انتظم خلال الأسبوع الفارط في تونس بالإطلاع عليها من خلال شريط «خمس كاميرات محطمة» للصحفي الفلسطيني عماد برناط الذي نقل بكاميراته ـ الواحدة تلو الأخرى ـ مقاومة متساكني قرية بلعين الحدودية للعدو الإسرائيلي ورفضهم للجدار العازل الذي استحوذت من خلاله الحكومة الإسرائيلية على مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية.. واستنفذ عماد برناط كاميراته الخمس (خلال السنوات الست التي تطلبها تصوير الفيلم 2005ـ2010) بعد أن تعرضت كلها الى التهشيم من قبل القوات الصهيونية ولكنّها سجّلت للذاكرة أشواطا من التضحية من أجل الأرض ومن أجل القضية بعد أن اختارت إسرائيل انتهاج سياسة التقتيل لإخماد كل الأصوات الفلسطينية المنددة بجرائم الكيان الصهيوني شعارها في ذلك «أصمت أو مُت». وقد كاد عماد برناط يغادر هذه الدنيا بعد تعرضه إلى اعتداء عنيف سنة 2008 قضى إثره 20 يوما في الإنعاش ولعلّ تعلّقه بعائلته وبابنه الصغير جبريل جعله يتعافى بسرعة أكبر.
ومن أكثر المشاهد تأثيرا تلك التي صوّر فيها عماد برناط اقتلاع أشجار الزيتون وحرقها من قبل الجيش الإسرائيلي في أجواء تنذر بنهاية الإنسان وبسقوط القيم وكذلك مقتل صديقه «فيل» سنة 2008 وجنازة طفل (11 سنة) وشاب (17 سنة) قتلا في اليوم نفسه، فضلا عن مداهمة البيوت واعتقال الشباب وإيقاف صديقه أديب لمدّة سنة وهو الذي لم يفعل شيئا سوى الاحتجاج على اغتصاب أرض فلسطين..ويدفعك شريط «خمس كاميرات محطمة» للتساؤل عن الإنسانية المفقودة لمن يتشدقون بالديمقراطية وبحقوق الإنسان وكرامة الأم والأب والطفل الفلسطيني تهان في اليوم آلاف المرّات... فماذا عساك تفعل عندما يحاصرك الموت من كل جهة وتعجز عن تبليغ صوتك المنادي بالعيش الكريم على أرض الأجداد لا أكثر ولا أقلّ... وماذا عساك تفعل وأنت ترى أطفالا فلسطينيين يكبرون على وقع الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع؟ إنّك ستتساءل عندها عن معنى الخطب السياسية الرنانة وعن النفاق المستشري وعن الأقنعة المخزية التي تلهث وراء المناصب والدم يسيل من تحت الكراسي.
  • شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق