الثلاثاء، 29 مايو 2012

حكومة تحفر قبرها بيدها

نشر منذ أيام الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية عدنان منصر مقالا عنونه: "حتى لا تحفر الحكومة قبرها وقبر الثورة".. ويبدو من خلال هذا العنوان أنّ عدنان منصرتجاوزته الأحداث اذ تؤكد عدة مؤشرات -وممّا لا يدع إليه أي شك- أنّ الحكومة بدأت فعلا في حفر قبرها بيدها.
ولعل أكبر دليل على انطلاق الحكومة في عملية الحفرهذه
، هو صمتها على الهجمة السلفية التي تتعرض لها البلاد من شمالها الى جنوبها، وسلبيتها ازاء ما يحدث من تجاوزات اتسمت باستعمال العنف وبحرق المقرات والتعدي على الأملاك العامة والخاصة، الشيء الذي دفع بالاتحاد الوطني لنقابات قوات الأمن التونسي الى إصدار بيان دعا فيه المنتسبين للمؤسسة الأمنية الى مواصلة العمل رغم التضحيات وتجاهل أصحاب القرار السياسي، مطالبا بإصدار أوامر ومراسيم تبيح استعمال جميع الوسائل الردعية من أجل وضع حدّ للفوضى وتجاوز القانون.
وقد رافق هذا الصمت المشين صمت آخر أكثر خطورة لم نتوقعه من قبل "ديمقراطيين" وحقوقيين توليا مناصب قيادية في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان وأقصد الرئيس المنصف المرزوقي و رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر اللذين ابتلعا السكين بدمها وقد يكون ذلك خوفا على كرسييهما، أفيعقل آلا يبادرا حتى باستنكار ما حصل من خروقات؟
ومن المؤشرات التي تدل بشكل قاطع على أنّنا لا نسلك الطريق السليم اقتصاديا
، هو تخفيض وكالة «ستندار أند بورز» لترقيم تونس الائتماني بنقطتين ممّا يدخل بلدنا في خانة البلدان التي لا يؤتمن فيها الإقراض، وقد بررت الوكالة قرارها هذا بضبابية المشهد السياسي وبضعف المؤشرات التي تدل على إمكانية نهوض اقتصادي.
وإلى جانب هاتين المعضلتين اللتين لم تحسن الحكومة التعامل معهما -أي الملف السلفي والملف الاقتصادي بما فيه من مشاكل بطالة ونمو واستثمار-
، نسجل بأسف شديد محاولة الحكومة إحكام قبضتها على الإعلام وتهديدها ببيع التلفزة الوطنية في خطوة استنكرها كلّ العقلاء، فضلا عن رفضها تفعيل المرسومين 115 و116 وإنشاء هيئة عليا للإعلام السمعي البصري بما من شأنه أن يساهم في تأمين استقلالية القطاع الإعلامي، وكل هذا يؤكد على هواية في التصرف السياسي تجعلنا نقترب كل يوم أكثر من شفا الهاوية..
وزارة العدل ساهمت هي كذلك في تشويش المشهد العام بعد أن قدمت مشروعا لتنظيم الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وصفه القضاة بالكارثي معتبرين انه لا يستجيب للمعايير الدولية لاستقلال القضاء حيث يضع السلطة القضائية تحت إمرة السلطتين التنفيذية وكذلك التشريعية (المجلس التأسيسي), وهو ما دفع سلك القضاة للتلويح بالاضراب.
  كما لاننسى ملف الحوض المنجمي الذي لم تحسن الحكومة التصرف فيه وهو الذي يتطلب إجراءات خاصة سواء كان ذلك على المستوى التشغيلي أو الصحي أو البنية التحتية..
للأسف الشديد لم تتمكن الحكومة من إعطاء إشارات قوية لتهدئة الأوضاع الأمنية  والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن القول إنّها فشلت بامتياز في الاستجابة لمطالب الثورة التونسية حتى أضحت الجملة التي يتناقلها العديد منا هي "البلاد داخلة في حيط".
 ولن نذيع سرّا إذا قلنا إنّ تلكؤ الحكومة في التعامل مع الملف السياسي (عدم تحديد آجال واضحة لإنهاء عملية صياغة الدستور وموعد الانتخابات القادمة وتفعيل الهيئة المستقلة للانتخابات) يبعدنا أشواطا عن ضوابط الانتقال الديمقراطي الجدي..

 كل هذه قرائن تحملنا على التساؤل عن جدية حكومة الترويكا ( الجبالي وبن جعفر والمرزوقي) في التعاطي مع المشاكل التي تعاني منها البلاد، فإذا كانت عاجزة عن المضي بنا قدما نحو الاستقرار والأمن والاستثمار والتشغيل واحترام الحريات والحقوق فلترفع يدها عن تونس ولتفسح المجال للكفاءات الحقيقية التي يمكن أن تضعنا على السكة مجددا على الأقل اقتصاديا وأمنيا.. فتونس بحاجة إلى من يخرجها من عنق الزجاجة والا انزلقت في ما قد لا تحمد عقباه..
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق