الأربعاء، 8 أغسطس 2012

ما هذه الحكومة التي ابتلي بها التونسيون؟

قد يبدو عنوان بطاقتي مبالغا فيه وموغلا في السلبيّة والسوداوية لكني أدعوكم إلى التوقف عند بعض المؤشرات لتحكموا بأنفسكم على أداء حكومة الترويكا ولتتيقنوا من أنّ «أقوى حكومة عرفها تاريخ تونس» مثلما جاء على لسان وزير الخارجية رفيق عبد السلام تسير في عاصفة رملية:
1 ـ لخبطة إقالة محافظ البنك المركزي بما يؤكد أنّ حكامنا الجدد هواة لم يقدروا على تحقيق الحدّ الأدنى من الانسجام المطلوب منهم.. فبعد أخذ ورد وتجاذبات غريبة بين الحكومة والرئاسة حسم الأمر بإقالة المحافظ السابق مصطفى كمال النابلي ـ الذي يشهد الجميع بكفاءته ـ وذلك حتى قبل أن يحدّد نواب المجلس التأسيسي موقفهم من هذا الملف، فبدت عملية تصويت النواب على الاقالة كمسرحية هزيلة الإخراج أو كـ«ديكور سيئ الذوق» جاء ليزوّق ما قُرر خلف الستار.
2 ـ لخبطة تسليم الوزير الأول السابق محمودي البغدادي للسلطات الليبية وما شابها من تضارب بين رئاسة تؤكد تشبثها باحترام حقوق الإنسان وبين حكومة تقول إنّها تريد خدمة مصلحة البلاد، حتى كاد التحالف بين النهضة والمؤتمر والتكتل يتفكك.
3 ـ لخبطة على المستوى القضائي، فنحن لم نسمع بوزارة العدل تجلس إلى طاولة الحوار مع جمعية القضاة وكذلك نقابة القضاة، بل كل ما سمعناه تصريحات وتصريحات مضادة مازالت إلى حدّ الآن لم تفض إلى أية نتيجة إيجابية تذكر.
4 ـ لخبطة على المستوى الإعلامي، فبعد محاولات الحكومة تدجين الإعلام العمومي والتهديد بعرضه للبيع، هاهي تمعن في رفض تفعيل مراسيم الإعلام (115 و116) وتتجاهل نقابة الصحافيين والهياكل المعنية بالقطاع وكأنّ مجال الإعلام يفتقر للكفاءات القادرة على تسييره... ولعل الحكومة مازالت تنتظر قدوم مهديّها المنتظر لفض المشاكل التي تعاني منها السلطة الرابعة.
5ـ ضبابية في ما يخص الهيئة العليا للانتخابات، فعوض تجديد الثقة في الهيئة السابقة التي اعترف الجميع بنجاحها في تنظيم انتخابات23 أو العمل على انتخاب ادارة جديدة, بادرت الحكومة بتقديم مشروع هيئة جديدة شككت عديد الأطراف في استقلاليته..
6 ـ تراخي في ما يخص العدالة الانتقالية التي استحدثت وزارة كاملة من أجلها، فنحن لم نسمع إلى حد الآن بهذه العدالة الاستثنائية تأخذ مجراها: فلا مساءلة ولا محاسبة ولا عذر ولا مصالحة ولاجبر ضرر ولا تخليد لذكرى الضحايا...
7 ـ ضبابية في ما يتعلق بصياغة الدستور حتى تعالت عدة أصوت لتقول إنّه من غير المعقول أن يصاغ الدستور في الغرف المغلقة وإنّه يجب الحذر من كتابة نصوص على مقاس جهات بعينها.. فالدستور يجب أن يكون توافقيا لا خلافيا، وعليه أن يحفظ الحقوق والحريات ويصونها دون تقييد أو استثناء.. وقد أشار رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا الصدد إلى أن بعض الفصول التي عرضتها لجنة الحقوق والحريات أكثر تقييدا من الدستور القديم أو تكرر ما كان موجودا.
8 ـ تعدد الاعتداءات على الصحافيين وعلى الفنانين بما لا يدع مجالا للشك أنّنا على مشارف عهد جديد من قمع الحريات.. وما أحداث العبدلية الأخيرة الا خير دليل على محاولة لجم الإبداع والتضييق على الفكر.
9 ـ فشل على مستوى الجهات التي ظلت تشكو من المشاكل ذاتها، فلم نستمع إلى حدّ الان، حتى إلى خطاب يطمئن متساكني الجهات المحرومة التي شهدت اندلاع الثورة ومنها سيدي بوزيد والقصرين والحوض المنجمي.
10 ـ محاولة الحزب الحاكم التغلغل في مفاصل الدولة وهي الممارسة التي كان ينتهجها التجمع الدستوري الديمقراطي وتنتقدها أطراف إعلامية ومعارضة داعية إلى ضرورة الفصل بين الحزب والدولة بما يضمن حياد هذه الأخيرة ويتركها بمنأى عن التجاذبات السياسية.
11 ـ العجرفة السياسية التي تدعي أن حكومة الجبالي أكبر من النقد وتستعين بـ«نظرية المؤامرة» للظهور في مظهر الضحية كما تعمل على تقزيم الخصوم وهي مواقف لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تصدر عن رجال دولة ترجى منهم فائدة تذكر.
12 ـ تردد الحكومة في معالجة ملفات الفساد والتلاعب بهيبة المؤسسات والعجز عن حسن تصريف الشأن الاقتصادي ممّا ساهم في تخفيض الترقيم السيادي لتونس.
هذه المؤشرات وغيرها عديد تدفعني إلى التساؤل حول جدوى الثورة، فهل قامت لتقطع مع ممارسات الماضي من ارتجال وفساد وسوء تصرف وتضييق على الحريات واستبداد بالرأي أم لتكرّس الممارسات نفسها؟ فهل تعي الحكومة خطورة هذه المؤشرات أم أنّها ستظل صماء شأنها شأن سابقاتها؟
شيراز بن مراد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق